الموقع بص وطل
الكل يتساءل عن الكيفية التي يحدد بها أهدافه في الحياة.. الجميع يبحث عن رؤية ترسم له رسالته في الحياة..
وأولئك وهؤلاء تمر بهم الأيام والمواقف والأحداث وهم ما زالوا يتساءلون ويبحثون ويفتّشون، دون جدوى أو أثر؛ فهم ينتظرون حدثا جليلا يستمدون منه رسالتهم المنتظرة..
وأولئك وهؤلاء تمر بهم الأيام والمواقف والأحداث وهم ما زالوا يتساءلون ويبحثون ويفتّشون، دون جدوى أو أثر؛ فهم ينتظرون حدثا جليلا يستمدون منه رسالتهم المنتظرة..
إنهم يرتقبون أمرا عظيما يستندون عليه ليكون نقطة البداية في مشوارهم نحو تحديد أهداف يتيح لهم تحقيقها الوصول إلى المجد، واعتلاء القمة.
وقد يمر العمر كله دون أن تأتيهم تلك الأحداث الجليلة، ولا الأمور العظيمة، فهم لا يدركون حقيقة مهمة جدا هي أن من يبحث بجدية عن الرسالة العظيمة والأهداف القوية لا يحتاج إلى معجزة ليتحرك، إنه يلتقط طرف الخيط ولو من حدث عابر، وهو من يصنع المعجزة بعدما ينسج من هذا الخيط الرفيع قطعة قماش بديعة الألوان، أو يغزل ثوبا رائع الجمال، إن هذا ما فعله القائمون على جمعية "رسالة" التي باتت ملء السمع والأبصار في ميدان الأعمال الخيرية، ومدرسة قائمة بذاتها في مضمار العمل التطوّعي.
طالب يخربش على دُرْجه
وتعرفون كيف بدأ عمل تلك الجمعية، أو بالأصح من أين جاءت فكرة إنشائها؟
لقد كانت البداية من مدرج في كلية الهندسة، كانت المحاضرة في مادة أخلاقيات المهنة، وكان الدكتور يحاول أن يقول لطلابه إن للعمل أخلاقا كما أن له مهارات، وبينما هو منهمك في شرحه الذي يؤمن بما فيه، لم يكن بعض طلبته يشغلون بالهم بما في تلك المحاضرة من نصائح أو إرشادات، أو حتى تعليمات وقوانين، وبين شارد ذهن، وغير مصغٍ باهتمام، خرج أحدهم عن تركيزه، وراح يخربش ويشخبط بقلمه على الدرج الذي أمامه!!
كانت مجرد خربشة ربما تحدث في كل محاضرة في جامعاتنا، وبالتأكيد هي موجودة على كل درج في كلية ومدرسة، ولكن في هذه المحاضرة كان لها حضور آخر، فقد لمح الدكتور الفطن طالبه وهو يقوم بذلك الفعل فاستوقفه وسأله لماذا يفعل ذلك؟
وبالطبع أسقط في يد الفاعل ولم يعرف بماذا يجيب؛ فهذا أمر كما قلنا متعارف عليه في أماكن العلم عندنا، وكأن الدراسة لا تصحّ مع أدراج غير مشخبط عليها!
ولكن الدكتور المهموم بطلابه وبلاده أعفاه من الإجابة غير الموجودة، وأجاب بدلا منها قائلًا: "المشكلة أنك لا تشعر بأن هذه بلدك وهذا الدرج ملكك".
العمل داخل الجامعة
وانتهت المحاضرة على هذا النحو، لكنها لم تكن النهاية؛ فقد كانت مجرد شرارة بداية، فقد تجمع عدد من الطلبة وقرروا التوجه إلى أستاذهم للاعتذار، ومع الاعتذار طالبوا بتكوين أسرة داخل الجامعة تحاول أن تثبت أن هذا البلد هو بلدها وإنهم عضو فاعل فيه.
وبعد مشاورات ومداولات لاختيار اسم للأسرة الوليدة من بين عشرين اسما تم طرحهم استقر الرأي على اختيار اسم "رسالة"، ليكون عنوانا لهذا الكيان الطلابي بقيادة الدكتور الذي لم يكن سوى الدكتور شريف عبد العظيم.
والذي أظن أن الكثيرين لا يعرفونه، بل لا أكون مبالغا لو قلت إن أغلب المتابعين لجمعية "رسالة" أو حتى المتعاونون معها ربما لم يسمعوا الاسم من قبل، فالرجل لا يربط اسمه باسم الجمعية التي وُلدت وتربت وكبرت على يديه في كل إعلان تليفزيوني، ولا يصر أن يكون المتحدث الإعلامي باسمها.
وبعد أن حققت هذه الأسرة بعض النشاط الملحوظ داخل أسوار الجامعة اقترب موعد تخرج مؤسسيها، وابتعادهم عن الجامعة، وفي أحد اجتماعاتهم طرح أحدهم سؤالا: يا ترى من الممكن أن نستمر بـ"رسالة" بعد التخرج، أي خارج أسوار الجامعة؟
وكانت الإجابة مذهلة فقد أكد جميع الحضور إمكانية ذلك، فيما عدا طالب واحد رأى أن هذا مستحيل.
الانطلاق خارج الجامعة
وتخرج الطلاب الأصدقاء وفي أذهانهم أن يثبتوا صحة اعتقادهم بأن بالإمكان أن نستمر، وكانت البداية بجهود ذاتية جُمعت من الأهل والأصدقاء والمعارف، ووصلت منذ عشر سنوات تقريبا إلى عشرين ألف جنيه كانت كافية للبدء، ولأن من يبحث عن أهدافه بصدق يصل بصدقه للناس، فقد جاء تبرّع بقطعة أرض فضاء بالقرب من فيصل، وكان هذا فوق ما يحتاجه هؤلاء الحالمون في بدايتهم، وانطلق المشروع.
ومن تلك الأرض الفضاء إلى مبنى ضخم بالمهندسين، ومصر الجديدة، وكامب شيزار بالإسكندرية، ثم توالت المراكز والمواقع، وتعددت الأنشطة وتوسعت من مساعدات مالية وعينية للأسر الفقيرة إلى بيع الملابس للمحتاجين في معارض فريدة من نوعها بسعر رمزي يدعم المؤسسة، والأهم أنه يحفظ للبسطاء كرامتهم واعتزازهم بأنفسهم.
ومن دروس تقوية للطلبة إلى بنك دم يخدم المصابين بأنيميا البحر المتوسط، بتحديد ستة أشخاص بعينهم يتبرعون بصفة دورية لمريض واحد؛ كي يتم تجنب الأعراض الجانبية لنقل الدم..
ومن القوافل إلى رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة والمكفوفين.
أكثر من ألفي موظف يتقاضون أجرا، ومئات الألوف من المتطوعين، وعلى الرغم من أن طريقة عمل فرق "رسالة" تشوبها بعض أمراض العمل التطوعي والخيري في مصر فإنني لا أستطيع أن أقول إلا أنها باتت مدرسة على من يريد أن يحقق نجاحا في هذا الميدان أن يتعلم منها، وأرجو من الله أن يتنبهوا إلى بعض الأخطاء حتى يكتمل النجاح وينتشر ويستمر، لتظل "رسالة" تعطي الدرس في أن الرسالات العظيمة في الحياة قد تولد من رحم أحداث عابرة، أو مواقف صغيرة لا ينتبه إليها غير الفطناء.
فهل تضع يدك على رسالتك في الحياة، ولو من خربشة على الدرج الذي أمامك؟
وقد يمر العمر كله دون أن تأتيهم تلك الأحداث الجليلة، ولا الأمور العظيمة، فهم لا يدركون حقيقة مهمة جدا هي أن من يبحث بجدية عن الرسالة العظيمة والأهداف القوية لا يحتاج إلى معجزة ليتحرك، إنه يلتقط طرف الخيط ولو من حدث عابر، وهو من يصنع المعجزة بعدما ينسج من هذا الخيط الرفيع قطعة قماش بديعة الألوان، أو يغزل ثوبا رائع الجمال، إن هذا ما فعله القائمون على جمعية "رسالة" التي باتت ملء السمع والأبصار في ميدان الأعمال الخيرية، ومدرسة قائمة بذاتها في مضمار العمل التطوّعي.
طالب يخربش على دُرْجه
وتعرفون كيف بدأ عمل تلك الجمعية، أو بالأصح من أين جاءت فكرة إنشائها؟
لقد كانت البداية من مدرج في كلية الهندسة، كانت المحاضرة في مادة أخلاقيات المهنة، وكان الدكتور يحاول أن يقول لطلابه إن للعمل أخلاقا كما أن له مهارات، وبينما هو منهمك في شرحه الذي يؤمن بما فيه، لم يكن بعض طلبته يشغلون بالهم بما في تلك المحاضرة من نصائح أو إرشادات، أو حتى تعليمات وقوانين، وبين شارد ذهن، وغير مصغٍ باهتمام، خرج أحدهم عن تركيزه، وراح يخربش ويشخبط بقلمه على الدرج الذي أمامه!!
كانت مجرد خربشة ربما تحدث في كل محاضرة في جامعاتنا، وبالتأكيد هي موجودة على كل درج في كلية ومدرسة، ولكن في هذه المحاضرة كان لها حضور آخر، فقد لمح الدكتور الفطن طالبه وهو يقوم بذلك الفعل فاستوقفه وسأله لماذا يفعل ذلك؟
وبالطبع أسقط في يد الفاعل ولم يعرف بماذا يجيب؛ فهذا أمر كما قلنا متعارف عليه في أماكن العلم عندنا، وكأن الدراسة لا تصحّ مع أدراج غير مشخبط عليها!
ولكن الدكتور المهموم بطلابه وبلاده أعفاه من الإجابة غير الموجودة، وأجاب بدلا منها قائلًا: "المشكلة أنك لا تشعر بأن هذه بلدك وهذا الدرج ملكك".
العمل داخل الجامعة
وانتهت المحاضرة على هذا النحو، لكنها لم تكن النهاية؛ فقد كانت مجرد شرارة بداية، فقد تجمع عدد من الطلبة وقرروا التوجه إلى أستاذهم للاعتذار، ومع الاعتذار طالبوا بتكوين أسرة داخل الجامعة تحاول أن تثبت أن هذا البلد هو بلدها وإنهم عضو فاعل فيه.
وبعد مشاورات ومداولات لاختيار اسم للأسرة الوليدة من بين عشرين اسما تم طرحهم استقر الرأي على اختيار اسم "رسالة"، ليكون عنوانا لهذا الكيان الطلابي بقيادة الدكتور الذي لم يكن سوى الدكتور شريف عبد العظيم.
والذي أظن أن الكثيرين لا يعرفونه، بل لا أكون مبالغا لو قلت إن أغلب المتابعين لجمعية "رسالة" أو حتى المتعاونون معها ربما لم يسمعوا الاسم من قبل، فالرجل لا يربط اسمه باسم الجمعية التي وُلدت وتربت وكبرت على يديه في كل إعلان تليفزيوني، ولا يصر أن يكون المتحدث الإعلامي باسمها.
وبعد أن حققت هذه الأسرة بعض النشاط الملحوظ داخل أسوار الجامعة اقترب موعد تخرج مؤسسيها، وابتعادهم عن الجامعة، وفي أحد اجتماعاتهم طرح أحدهم سؤالا: يا ترى من الممكن أن نستمر بـ"رسالة" بعد التخرج، أي خارج أسوار الجامعة؟
وكانت الإجابة مذهلة فقد أكد جميع الحضور إمكانية ذلك، فيما عدا طالب واحد رأى أن هذا مستحيل.
الانطلاق خارج الجامعة
وتخرج الطلاب الأصدقاء وفي أذهانهم أن يثبتوا صحة اعتقادهم بأن بالإمكان أن نستمر، وكانت البداية بجهود ذاتية جُمعت من الأهل والأصدقاء والمعارف، ووصلت منذ عشر سنوات تقريبا إلى عشرين ألف جنيه كانت كافية للبدء، ولأن من يبحث عن أهدافه بصدق يصل بصدقه للناس، فقد جاء تبرّع بقطعة أرض فضاء بالقرب من فيصل، وكان هذا فوق ما يحتاجه هؤلاء الحالمون في بدايتهم، وانطلق المشروع.
ومن تلك الأرض الفضاء إلى مبنى ضخم بالمهندسين، ومصر الجديدة، وكامب شيزار بالإسكندرية، ثم توالت المراكز والمواقع، وتعددت الأنشطة وتوسعت من مساعدات مالية وعينية للأسر الفقيرة إلى بيع الملابس للمحتاجين في معارض فريدة من نوعها بسعر رمزي يدعم المؤسسة، والأهم أنه يحفظ للبسطاء كرامتهم واعتزازهم بأنفسهم.
ومن دروس تقوية للطلبة إلى بنك دم يخدم المصابين بأنيميا البحر المتوسط، بتحديد ستة أشخاص بعينهم يتبرعون بصفة دورية لمريض واحد؛ كي يتم تجنب الأعراض الجانبية لنقل الدم..
ومن القوافل إلى رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة والمكفوفين.
أكثر من ألفي موظف يتقاضون أجرا، ومئات الألوف من المتطوعين، وعلى الرغم من أن طريقة عمل فرق "رسالة" تشوبها بعض أمراض العمل التطوعي والخيري في مصر فإنني لا أستطيع أن أقول إلا أنها باتت مدرسة على من يريد أن يحقق نجاحا في هذا الميدان أن يتعلم منها، وأرجو من الله أن يتنبهوا إلى بعض الأخطاء حتى يكتمل النجاح وينتشر ويستمر، لتظل "رسالة" تعطي الدرس في أن الرسالات العظيمة في الحياة قد تولد من رحم أحداث عابرة، أو مواقف صغيرة لا ينتبه إليها غير الفطناء.
فهل تضع يدك على رسالتك في الحياة، ولو من خربشة على الدرج الذي أمامك؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق