أخر مواضيع المدونة

الاثنين، 18 يوليو 2011

مانديلا ...ثائر تسامح لبناء الأمة "رسالة مانديلا لثوار مصر وتونس"

مانديلا ... ثائر تسامح لبناء الأمة

إعداد: حسني ثابت
الموقع : أخبار مصر


 يحتل نيلسون مانديلا مكاناً بارزاً في صفحات تاريخ الأمم، وهو أحد الرجال الذين يقفون شموعاً مُضيئة تنير الطريق للجموع حولها، بالإضافة للتنوير الذى تنشره فى روح الأمة وتزهو بهم الإنسانية وتفخر السير الذاتية بمذكرات نضالهم المُشرف ضد قوى الظلام والشر، وهنا يقف نيلسون مانديلا كأشد مصادر الضوء التى محت ظلام العنصرية من القارة الإفريقية، فقد قال مانديلا "فى وسعنا أن نغير العالم ونصنع منه مكاناً أفضل .. وأن كل واحد منكم في استطاعته أن يُحدث هذا التغيير".
لقد سطر الزعيم الإفريقى نيلسون مانديلا اسمه بحروف من نور فى تاريخ جنوب إفريقيا، فقد تحول المناضل الصلد "مانديلا" من مواطن جنوب إفريقى يُصارع نظاماً عنصرياً بغيضاً إلى مواطن عالمى يُسارع زعماء العالم إلى الوقوف جوار هامته العالية، حيث ضرب مانديلا أروع أروع المثل فى التضحية.
وحياة نيلسون مانديلا حافلة بالأحداث الجسام ومليئة بالأيام الخالدة، فهو يعتبر من أبرز المُناضلين والمُقاومين لسياسة التمييز العنصري التي طبقت في جنوب إفريقيا، ويُطلق عليه اسم "ماديبا" أي "العظيم .. المُبجل"، وهو لقب يُطلق على الشخص الأرفع شأناً بين أهل عشيرته، وقال "شادراك جوتو" الباحث في جامعة جنوب أفريقيا: "يصعب اختصار إنجازات مانديلا ومساهمته في نضال البلد من أجل الحرية .. إنه رمز التواضع ونكران الذات".
نضال مانديلا دام سنوات طويلة من أجل قضية شعبه المُطالب بالمساواة والحق فى الحرية والحياة الكريمة على أرضه، وخرج بعد هذا الزمن الطويل من السجن ليتولى حكم البلاد لفترة رئاسية واحدة أرسى خلالها الأسس السليمة الراسخة لقيام دولة ديمقراطية تكاد أن تكون الوحيدة فى القارة الإفريقية بأسرها ليسلم الراية بعد ذلك لجيل أخر ليقود دفة البلاد وسفينتها التى أحسن صنعها، ولتشهد جنوب إفريقيا توالى ثلاثة رؤساء على حُكم البلاد خلال عقدين من الزمن فقط، وهو أمرلا ينافسها فيه إلا عدد قليل من الدول الغربية الديمقراطية العريقة.

صحيفة نيلسون مانديلا:

حول نبذ العنف والمقاومة السلمية ومواجهة المصائب والصعاب بكرامة وكبرياء، تحفل صحيفة مانديلا بمذكرات تتضمن العديد من الذكريات الخالدة التي تعبر عن اهتمامه بالإنسانية والسعي نحو الحرية والمساواة بين البشر وتوفير حياة كريمة وعادلة لهم.
ولد مانديلا في بلدة صغيرة تدعى "قونو" في منطقة "ترانسكاي" فى جنوب إفريقيا في 18 يوليو عام 1918، واسمه عند الميلاد هو "دوليهلاهلا" ومعناه حرفياً باللغة الإفريقية "المُشاغب"، وكان والده رئيساً لقبيلة الـ "تيمبو" الشهيرة، والذي توفي ومانديلا لا يزال صغيراً، وتربى ونشأ في حياة مليئة بالبطولات والملاحم لأجداده زكته لأن يُنتخب ويُصبح ما مكان والده.
يُعد مانديلا من الأطفال السود القلائل الذين التحقوا بالمدرسة الابتدائية، واستكمال دراسته في مدارس الإرسالية، ولصعوبة نطق الأساتذة البيض للأسماء الإفريقية فقد اختاروا له اسماً إنجليزياً وهو "نيلسون"، وبعدها التحق بالجامعة في كلية "فورت هاري"، وقد طرد منها بسبب مُشاركته في الاحتجاجات الطلابية على سياسة التمييز العُنصري مع رفيقه "أوليفر تامبو" عام 1940، فقد عاش مانديلا فترة دراسية مُضطربة، وأكمل دراسته بالمراسلة في "جوهانسبرج" حتى حصل على ليسانس الحقوق.
كانت جنوب إفريقيا خاضعة لحكم يقوم على التمييز العنصري الشامل من طرف البيض تجاه السود، وعندما أحس مانديلا أثناء دراسته الجامعية بمُعاناة شعبه، فانضم إلى حزب المجلس الوطني الإفريقي المُعارض للتمييز العنصري عام 1944، ولعب دوراً حاسماً في تحويل الحزب إلى حركة جماهيرية شاملة لمختلف فئات السود، وساعد في إنشاء "اتحاد الشبيبة" التابع للحزب، وأشرف على إنجاز خطة التحرك، وهي بمثابة برنامج عمل لاتحاد الشبيبة، وأرسى مانديلا في جوهانسبور "مبدأ مانديلا" في المعارضة السياسية لنظام الحكم في جنوب إفريقيا الذي كان بيد الأقلية البيضاء، ذلك أن الحكم كان يُنكر الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للأغلبية السوداء في جنوب إفريقيا.
وفي عام 1948، فاز الحزب القومي في الانتخابات العامة، ويحكم من قبل البيض في جنوب إفريقيا، وكان دائماً يخطط ويضع سياسات عُنصرية، منها سياسات الفصل العنصري، وإدخال تشريعات عنصرية في مؤسسات الدولة، وفي تلك الفترة أصبح مانديلا قائداً لحملات المعارضة والمقاومة.
وفي عام 1952 أشرف مانديلا على ما عُرف "بحملة التحدي" التي قام بها الحزب، ولعب دوراً هائلاً في تحريض الناس على مقاومة قوانين التمييز العنصري، مما تسبب في إصدار حُكم بالسجن ضده مع إيقاف التنفيذ، بل وصدور قرار بمنعه من مُغادرة جوهانسبرج لمدة 6 أشهر، استطاع خلالها إعداد خطة حولت فروع الحزب إلى خلايا للمقاومة السرية.
وفي عام 1960 وبعد أحداث مذبحة "شاريفيل" التي أطلق فيها رجال الشرطة النار على المتظاهرين ليسقط المئات من القتلى والجرحى، تم حظر كافة نشاطات حزب المجلس الوطني الإفريقي وأعتقل مانديلا حتى عام 1961، وبعد الإفراج عنه قاد المقاومة السرية التي كانت تدعو إلى ضرورة التوافق على ميثاق وطني جديد يعطي السود حقوقهم السياسية، وفي نفس الوقت أسس مانديلا ما يُعرف بـ "الجناح العسكري للمجلس الإفريقي القومي" وقام بتنفيذ عمليات تخريبية ضد مؤسسات حكومية واقتصادية للبيض.
في فبراير 1962 اُعتقل مانديلا وحُكم عليه لمدة 5 سنوات بتهمة السفر الغير قانوني، والتدبير للإضراب، وفي عام 1964 حُكم عليه مرة أخرى بتهمة التخطيط لعمل مسلح والخيانة العظمى فحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، خلال سنوات سجنه الثمانية والعشرين، أصبح النداء بتحرير مانديلا من السجن رمزاً لرفض سياسة التمييز العنصري، وفي 10 يونيو 1980 تم نشر رسالة استطاع مانديلا إرسالها للمجلس الإفريقي القومي قال فيها: "إتحدوا .. وجهزوا .. وحاربوا .. إذ ما بين سندان التحرك الشعبي، ومطرقة المقاومة المسلحة، سنسحق الفصل العنصري".
في عام 1985 عُرض على مانديلا إطلاق السراح مقابل إعلان وقف المقاومة المسلحة، إلا أنه رفض العرض، وتمسك مانديلا بمواقفه وهو داخل السجن وكان مصدراً لتقوية عزائم المسجونين، وظل في السجن حتى 11 فبراير 1990 إلى أن أطلق سراحه بأمر من رئيس الجمهورية "فريدريك ويليام دي كليرك" الذي أعلن إيقاف الحظر الذي كان مفروضاً على المجلس الإفريقي ووقف الصراع المسلح، وقام بإجراء مفاوضات استطاع من خلالها الانتقال بالبلاد إلى الديمقراطية وانتخابه كأول رئيس أسود للبلاد في عام 1994.
شغل مانديلا منصب رئاسة المجلس الإفريقي "من يونيو 1991- إلى ديسمبر 1997"، وأصبح أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا "من مايو 1994- إلى يونيو 2000"، وخلال فترة حُكمه شهدت جنوب إفريقيا انتقالاً كبيراً من حُكم الأقلية إلى حُكم الأغلبية.
في يونيو 2004 قرر نيلسون مانديلا ذو الـ 85 عاماً التقاعد وترك الحياة العامة، ذلك أن صحته أصبحت لا تسمح بالتحرك والانتقال، كما أنه فضل أن يقضي ما تبقى من عُمره بين عائلته، وشغل مانديلا نفسه بعد التقاعد بالأعمال الخيرية ومن بينها "مؤسسة مانديلا الخيرية لمكافحة الإيدز" و "صندوق نيلسون مانديلا للطفولة".
وفي 2005 اختارته الأمم المتحدة سفيراً للنوايا الحسنة، وتزامناً مع يوم ميلاده التسعين في يوليو 2008 أقر الرئيس الأمريكي جورج بوش قرار شطب اسم مانديلا من على لائحة الارهاب في الولايات المتحدة الأمريكية.
حصل مانديلا على أكثر من 100 جائزة دولية تكريماً له، أبرزها جائزة نوبل للسلام عام 1993، والتي كانت مع الرئيس "فريدريك دي كلارك"، وفي عام 2005 اختارته الأمم المتحدة سفيراً للنوايا الحسنة، ونال جائزة منظمة العمل الدولية لسفراء الضمير عام 2006، إلى جانب العديد من شهادات الشرف الجامعية، وتلقى عدداً كبيراً من الميداليات والتكريمات من رؤساء وزعماء دول العالم.

اليوم العالمي لمانديلا:

خصصت الأمم المتحدة يوم 18 من يوليو كل عام يوماً عالمياً للاحتفال بـ "نيلسون مانديلا" تقديراً لدوره البارز على الساحة العالمية من أجل الإنسانية، والذى يوافق عيد ميلاده، واختارته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى الثانى من نوفمبر عام 2009 تقديراً لكفاح مانديلا من أجل الديمقراطية على الصعيد الدولى وفى الترويج لثقافة السلام وتدعيماً لدعوته باستثمار عيد ميلاده فى فعل الخير.
وقد جرت العادة خلال هذا اليوم من كل عام أن يُكرم فيه مانديلا، بل تحول إلى "حدث عالمي" يُجدد فيه النداء العالمي من أجل إحداث فرق في حياة الناس، والسعي لأن يكون يوم مولده مصدر إلهام للعمل الاجتماعي، ولأن يحذوا العالم حذوه من أجل الخير العالمي.
وبمناسبة مرور 93 عاماً على ميلاده هذا العام وجه الأمين العام للأمم المتحدة "بان كى مون" رسالة تحت شعار "67 طريقة لخدمة المجتمع" دعا فيها إلى حث الناس على تكريس 67 دقيقة من وقتهم للخدمة العامة فى "يوم مانديلا" أى بمعدل دقيقة واحدة عن كل سنة من السنوات التى قضاها مانديلا فى خدمة البشرية، وتتضمن هذه الخدمة تعليم طفل، أو إطعام جائع، أو التطوع لبعض الوقت فى مستشفى محلي أو مركز اجتماعي، تلبية لمطلب مانديلا "بضرورة أن نجعل من العالم مكاناً أفضل"..

رسالة مانديلا لثوار مصر وتونس:

لم يثنه كبر سنه وضعف صحته عن اهتمامه وانشغاله بقضايا حرية الشعوب والآمال الحقيقية بشأن حقوق الإنسان وحقه في عيش كريم، فمانديلا يتابع ما يدور من ثورات في دول العالم، حيث وجه الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا رسالة إلي ثوار مصر وتونس، جاء فيها "إن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم، فالهدم فعل سلبي والبناء فعل إيجابي.
وقال ماندنيلا في رسالته "كيف سنتعامل مع إرث الظلم لنقيم مكانه عدلاً..؟ أكاد أشعر بأن هذا السؤال هو ما يقلقكم اليوم، لأنه السؤال الذي دار بخلدي لحظة الإفراج عني، لقد خرجتم لتوكم من سجنكم الكبير، وهو سؤال قد تحُدد الإجابة عليه طبيعة الاتجاه الذي ستنتهي إليه ثوراتكم".
وأضاف "أنا لا أتحدث العربية للأسف، لكن ما أفهمه من الترجمات التي تصلني عن تفاصيل الجدل السياسي اليومي في مصر وتونس، تشي بأن معظم الوقت هناك مهدر في سب وشتم كل من كانت له صلة تعاون مع النظامين البائدين، وكأن الثورة لا يمكن أن تكتمل إلا بالتشفي والإقصاء، كما يبدو لي أن الاتجاه العام عندكم يميل إلى استثناء وتبكيت كل من كانت له صلة قريبة أو بعيدة بالأنظمة السابقة، ذاك أمر خاطئ في نظري".
وأكد على تفهمه لأسباب الأسى الذي يعتصر القلوب في مصر وتونس قائلا: "أعرف أن مرارات الظلم ماثلة، إلا أنني أرى أن استهداف هذا القطاع الواسع من مجتمعكم قد يسبب للثورة متاعب خطيرة، فمؤيدو النظام السابق كانوا يسيطرون على المال العام وعلى أسس الأمن والدولة وعلاقات البلد مع الخارج، فاستهدافهم قد يدفعهم إلى أن يكون إجهاض الثورة أهم هدف لهم في هذه المرحلة، التي تتميز عادة بالهشاشة وغياب التوازن، وأنتم في غنى عن ذلك، إن أنصار النظام السابق مُمسكون بمعظم المؤسسات الاقتصادية التي قد يشكل استهدافها أو غيابها أو تحييدها كارثة اقتصادية أو عدم توازن أنتم في غنى عنه الآن".
وشدد علي أن الشعب التونسي والمصري عليهما أن يتذكروا أن أتباع النظام السابق في النهاية مواطنون ينتمون لهذا البلد، قائلا "إن احتواءهم ومُسامحتهم هي أكبر هدية للبلاد في هذه المرحلة، أعلم أن مما يزعجكم أن تروا ذات الوجوه التي كانت تنافق للنظام السابق تتحدث اليوم مُمجدة الثورة، لكن الأسلم أن لا تواجهوهم بالتبكيت إذاً مجدوا الثورة، بل شجعوهم على ذلك حتى تحيدوهم، وثقوا أن المجتمع في النهاية لن ينتخب إلا من ساهم في ميلاد حريته".
واستطرد مانديلا قائلاً: "إن النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية، أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضي المرير .. أذكر جيداً أنني عندما خرجت من السجن كان أكبر تحد واجهني، هو أن قطاعاً واسعاً من السود كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق، لكنني وقفت دون ذلك، وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل ولولاه لانجرفت جنوب إفريقيا إما إلى الحرب الأهلية أو إلى الديكتاتورية من جديد، لذلك شكلت "لجنة الحقيقة والمُصالحة" التي جلس فيها المعتدي والمعتدى عليه وتصارحا وسامح كل منهما الآخر، إنها سياسة مرة لكنها ناجحة".

كلمات مأثورة لمانديلا:من صفحات كفاح مانديلا يتضح أنه ثائر صلد لا يلين وواثق من خطواته، فقد تولى مانديلا الدفاع عن نفسه بنفسه، حيث يقول: أثناء مُحاكمتى دخلت قاعة المحكمة بملابس "الكوسا" المصنوعة من جلد النمر، وقد اخترت هذا الزى لأبرز المعنى الرمزى لكونى رجلاً إفريقياً يُحاكم فى محكمة للرجل الأبيض، وكنت أحمل على كتفى تاريخ قومى وثقافاتهم، وكنت على يقين أن ظهورى بذلك الزى سيُخيف السلطة من ثقافة إفريقيا وحضارتها، بهذه الكلمات أكد مانديلا أنه يستحق أن تكون حياته مصدر إلهام للمظلومين فى سائر الأرض .
ويقول مانديلا أيضاً فى كتاب الشهير "رحلتى الطويلة فى طريق الحرية" عندما خرجت من السجن ماشياً على قدماى، كانت مهمتى تتمثل فى تحرير الظالم والمظلوم معاً، لقد مشيت في ذلك الطريق الطويل من أجل بلوغ الحرية، محاولاً أن أحافظ على رباطة جأشي، صحيح أننى ارتكبت بعض الأخطاء في تقدير خطواتي أحياناً، لكني اكتشفت سراً مُفاده أن المرء ما إن ينتهى من تسلق تل شامخ إلا ويتبين له أن هناك العديد من التلال الأخرى بانتظاره.. وكما قال مانديلا: "إن تكون حراً لايعنى مجرد التحرر من الأغلال ولكن أن تعيش وفق نمط حياة تعزز من خلاله حرية الأخرين وتحترمها".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...